فلنركز أكثر مع موناكو.. يبدو أن جارديم قد وجد وصفته السحرية

تمكن جارديم من مفاجأة الجميع بجعل موناكو فريق شاب لديه أقوى خط هجوم على مستوى القارة العجوز حتى الأن بتسجيله 53 هدفا في 17 مباراة في الدوري الفرنسي، مسجلًا 21 هدفًا أكثر من المتصدر نيس وفريق العاصمة الفرنسية باريس سان جيرمان. حتى أن هجوم موناكو –رقميا- أقوى من خط هجوم ريال مدريد الذي تمكن من هز الشباك 40 مرة، وبرشلونة الذي أحرز 37 هدفًا، العملاق البافاري بايرن ميونخ الذي سجل 34 هدفًا، ليفربول الذي يعتبر طفرة الهجوم في الدوري الإنجليزي لم يحرز إلا 40 هدفًا!

تخطى نادي الإمارة الفرنسية كل هؤلاء الكبار رغم وجوده في دوري يغلب عليه الفلسفة الدفاعية، فإذا نظرنا للتاريخ لن نجد فريقا وصل لإنجاز مشابه قبل موسم 1969-1970 عندما أحرز سانت ايتيان 51 هدفًا في 17 مباراة، ثم فاز بالدوري محرزًا 80 هدفًا في 34 مباراة.

يمكننا أن نتبين التغيير الكبير الذي ضرب الفريق عندما نرى أن الفريق قد أحرز 31 هدفا في 8 مباريات على ملعبه هذا الموسم، أكثر مما أحرزه الفريق الموسم الماضي في 19 مباراة محرزًا 30 هدفا على ملعبه، وفي موسم 2014-2015 أحرز 23 هدفًا لا غير. قبل سنتين تصدر الفريق مجموعته في دوري الأبطال، محرزًا 4 أهداف لا غير في 6 مباريات، ولكن في هذا الموسم نرى أن الفريق قد سجل 9 أهداف في ست مباريات، متصدرًا مرة أخرى.

يمكن أيضا تلخيص تلك المجاعة الهجومية في تصريح رودي جارسيا مدرب مارسيليا بعد تلقيه هزيمة ثقيلة توقفت عند رباعية نظيفة الشهر الماضي في استاد لويس الثاني: “كان بإمكانهم إضافة المزيد، ولو لعبوا وهم مغمضين العينين”.

37a9b28f00000578-0-image-a-26_1472424503920

أصبح من الأمور المعتادة أن ينصب موناكو السيرك كل أسبوع ولكن بضحية جديدة، ومن المستحيل التفكير بعد هذا الأداء المدهش أن مدرب الفريق، ليناردو جارديم، كان يتعرض للنقد بشكل غير طبيعي بسبب تقديمه “كرة قدم مملة” في المواسم السابقة. في يناير 2015 قال الصحفي بيري مينيز عن المدرب البرتغالي: “إنه يحصل على النتائج الجيدة ولكن بأداء باهت. لقد اخترع طرق جديدة لكرة القدم وهي طريقة الكلوروفرم. وهي طريقة مستحيلة التحمل، لأن الجماهير تموت من الملل”. ولكن بعد هذه التصريحات بأسابيع قليلة تمكن من الفوز على أرسنال في عقر داره –لندن- بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد، مطبقًا أسلوب الهجمة المرتدة بأروع شكل ممكن. قد يكون فاز بطريقة ليست الأجمل، لكنها نجحت لتجاوز العملاق الإنجليزي.

كانت خطوة ممتازة تلك، التعاقد مع ليوناردو جارديم، الذي حقق نجاحات كبيرة -في الخفاء- مع أولمبياكوس هناك في اليونان، ثم احتل المركز الثاني بشكل ملفت مع سبورتنج لشبونة في البرتغال، وقبل ذلك كان قد نجح مع سبورتنج براجا بالوصول إلى المركز الثالث. يتملك جارديم العديد من المميزات، فهو رجل عملي ومتنوع في طرق اللعب، قادر علي العمل تحت الضغوط، وتحت القيود المالية الصارمة تحديدًا. كان ذلك من أسباب اختياره لخلافة الإيطالي الخبير، وذلك لتحول نادي الإمارة من نادي يشتري النجوم مثل: فالكاو وكارفاليو وخاميس رودريجيز، إلي نادي يصدر المواهب الشابة. تغيير شامل في الاستراتيجية.

“من الناحية التكتيكية، لقد تغير المشروع أيضًا. واحدة من مزايا المدرب هي قدرته على التأقلم مع النادي” هذا ما قاله البرتغالي بعد توليه القيادة.

“هذا الفريق لا يمكنه كشف نفسه بالتهور هجوميًا. على الفريق أن يكون طموحا قدر استطاعته، ولكن وفقا قدراته أيضا”.

وكما يقول جارديم، إنه “يعمل دون تذمر” فلم يعترض بعد بيع النادي لأفضل لاعبي فريقه في صيف 2015، خرج مارسيال إلى مانشستر يونايتد، يانيك كاراسكو لأتليتكو مدريد، لايفين كورزاوا لباريس سان جيرمان، وجيوفري كوندوبيا لإنتر ميلان، وأيمن عبد النور لفالنسيا الإسباني. حصل النادي علي مقابل مادي كبير جدًا مقابل كل هذه العمليات، ولكن ترتب على ذلك ضرورة بناء المدرب للنادي من الصفر، وبالفعل حدث وكان الفريق قاب قوسين أو أدنى من إنهاء الدوري الفرنسي في المركز الثاني خلف الباريسيين، إلا أن استفاقة ليون في الأنفاس الأخيرة ساعدته على القفز لمركز الوصيف.

من المرجح اتهام البعض للمدرب باتباع أسلوب سلبي، ولكن البرتغالي لم يكن يحاول قتل المباريات حبًا منه في هذا الأمر. ولكن، في الواقع، انه مدرب صاحب عقلية هجومية رائعة ويؤمن أن اللاعبين عليهم التدريب فقط بالكرة في الحصص التدريبية. كما يقدر للغاية المهارات الفنية، يصنف كذلك على أنه واحدا من المدربين أصحاب الشهية الهجومية القوية، فهو يرغب أن يهاجم بكثافة في كل مباراة. ولكنه كان يري أن ذلك لم يكن ممكنا في المواسم السابقة. أما حاليًا، استشعر البرتغالي فرصة التغيير فقام بتبديل فلسفة اللعب المتبعة.

العديد من العوامل ساعدت المدرب في هذه النقلة في تنفيذ فلسفته الهجومية، قوة التنافس بين مهاجمي الفريق مثلا أذهلت الجميع. عاد النمر الكولومبي راداميل فالكاو للنادي الفرنسي، وذلك بعد موسمين قضاهما في إعارتين في الدوري الإنجليزي مع مانشستر يونايتد وتشيلسي، على الترتيب، ولكن احتفظ فريق الإمارة بفالكاو هذا الموسم، ويدين المهاجم للمدرب البرتغالي الذي منحه الثقة هذا الموسم ورد له الجميل كونه هداف الفريق حاليًا بتسجيله 10 أهداف في 17 مباراة في الدوري الفرنسي. هناك أيضا رجوع الفرنسي فاليري جيرماين بعدما اكتشف ذاته خلال إعارته لفريق نيس. المهاجم الأرجنتيني جويدو كارييو الذي تأقلم أخيرًا مع أجواء الدوري الفرنسي بعد موسم ضعيف أحرز فيه 4 أهداف في 31 مباراة، مسجلا 7 أهداف في 12 مشاركة هذا الموسم. بالإضافة للموهبة الفرنسية الجديدة كيليان مبابي صاحب ال 17 عامًا الذي أحرز أول هاتريك له أمام رين في كأس الدوري الفرنسي، أحرز مبابي 3 أهداف حتى الآن في 9 مشاركات في الدوري.

في وسط الملعب، يقدم توماس ليمار الذي توهج بشكل غير طبيعي عروضا متميزة للغاية، فسجل 6 أهداف وصنع 3 في 14 مشاركة في الدوري هذا الموسم. الساحر بيرناردو سيلفا، مصدر الإبداع والخيال في الفريق، نجده في أوج تألقه بعد تعافيه بشكل كامل من الإصابات التي لحقت به وهو أكثر من صنع الفرص للفريق (21) كما صنع 4 أهداف وأحرز 2 حتى الآن، بعدما كان هداف الفريق الموسم الماضي في الدوري برصيد 5 أهداف فقط لا غير.

asmonaco_lugano-4166

كما أصبح الدفاع أكثر قوةً من ذي قبل بفضل استقدام البولندي كميل جليك من تورينو الإيطالي، فالتفاهم الموجود بينه وبين قلب الدفاع الاخر، جيمرسون، ساعد على تحسين جودة الدفاع. تلقى الفريق في الموسم الماضي بعد 17 مباراة 23 هدفا، أما هذا الموسم فقد استقبل الفريق 16 هدفا فقط.

هناك أيضا بينجامين ميندي القادم من مارسيليا، مزيد من السرعة والحركة على الجانب الأيسر، بالإضافة لدوره الدفاعي بالتعاون مع جبريل سيدبي. سيدبي هو الآخر ساعد وصوله على تغيير مركز فابينيو من الظهير الأيمن للوسط، مما ساعد اللاعب البرازيلي ليصبح ثاني أكثر لاعبي الدوري بقطع الكرة في 44 مناسبة، باللإضافة لكونه أكثر اللاعبين اتمامًا للتمريرات الصحيحة في الفريق (786) بدقة تمرير وصلت 85%. أما تيموي باكايوكو فقد شهد مرحلة نضوج تكتيكي مذهل، ليكون حجر أساس الوسط الدفاعي، ويعود الفضل في هذا إلى جارديم، فلم يصنع اللاعب أو يسجل أي أهداف حتى الآن خلال الموسم الحالي، ولكن ليس هذا المطلوب منه، فقد نجح في إتمام 574 تمريرة بدقة بلغت 87%، بالإضافة لكون 80% منها للأمام. هذا هو المهم.

باختصار، يمكننا القول إن هذا هو الفريق الذي كان يرغب جارديم في إطلاق عنانه. الأساس القوي دفاعيًا يبدو كافٍ لترك الحرية للاعبين لإظهار كل ما لديهم هجوميًا والاستحواذ على الكرة دون خوف خلال 90 دقيقة. كما يساعد هذا التشكيل المدرب على تدوير الفريق، لا تضمن أن ترى نفس التشكيل في الملعب كل جولة، فقد أشرك جارديم 23 لاعبا في مباريات الدوري حتى الآن.كما لا يعتبر موناكو فريق النجم الأوحد، فلا يوجد اللاعب الذي يعتمد عليه دائمًا ليصنع الفارق وحده. في المقابل، يعتمد الفريق علي اللعب الجماعي وروح الجماعة السائدة بين عناصره.

نرى مثلا أن 13 لاعبا مختلفا قد شاركوا في إحراز 53 هدفا، كان صاحب النصيب الأكبر بينهم هو فالكاو الذي أحرز 10 أهداف، يأتي خلفه كارييو وفاليري جيرماين بسبعة أهداف لكل منهما. كما شارك 13 لاعبا مختلفا أيضًا في صناعة الأهداف يتقدمهم برناردو سيلفا ومبابي بأربعة أهداف لكل منهما. عندما تمتلك مجموعة من اللاعبين الشباب مثل هؤلاء، لديهم شهية مفتوحة للعب، يلعبون ليستمتعوا باللعب وإمتاع المشاهدين، بالتأكيد سيرغبون في إحراز المزيد والمزيد من الأهداف، حتى بعد حسم المباراة لصالحهم.

حتى بعد السقوط القوي أمام نيس في سبتمبر برباعية نظيفة، لم يتوقف الفريق ولم يتغير النهج. أقنع موناكو الجميع بفوزه على باريس سان جيرمان بثلاثة أهداف مقابل هدف، ثم سحقه لميتز بسباعية نظيفة في أكتوبر، كما أن المباريات الأربع الأخيرة على ميدانهم كانت استثنائية ومكملة للمستوى المدهش الذي شهدناه هذا الموسم… أحرز الفريق 21 هدفا! في أربع مباريات، حطموا مونبلييه بستة أهداف مقابل اثنين، ثم نانسي بسداسية نظيفة، مرسيليا برباعية، ثم الخاتمة مع باستيا بخماسية نظيفة!

“عاشقو الكرة في فرنسا لا يجرؤون على تفويت مبارياتهم فهم لم يعدوا مملين لدرجة الموت بعد الآن. حتى أن وجه جارديم تغير. فقد أصبح مضيئا ويمكننا الآن رؤية ابتسامة حقيقية على وجهه” 
دانيال ريولو كاتب في وكالة RMC الإخبارية

هل ستستمر ابتسامة البرتغالي على وجهه ويحقق أول بطولة للفريق منذ 2003 بعد فوزه بكأس الدوري مكررا أسطورة فريق ديديه ديشان؟ بهذا التشكيل الرائع، ينقص الفريق بعض الخبرة وربما يتمكن من الوصول مرة أخرى لنهائي دوري الأبطال كما حدث في 2004، وقد يتمكن من انهاء هيمنة العملاق الباريسي على بطولة الدوري وبطولتي الكأس.

Leave a comment